هل تعرف ما هو المسرح الذهني..؟..
انه ذلك الشيء من الأحداث الذي يسهل أن تتصوره وتتأمله لكن يصعب أداؤه أمامك وقد ارتبط هذا النوع الفكري من التخيل الروائي بالكاتب الرائع توفيق الحكيم - رحمه الله - حيث معظم مسرحياته من السهل تخيلها لكن من الصعب أداؤها وقد حدث أن تدخل وطلب إيقاف إحدى مسرحياته من الاستمرار.. مثلاً التخيل في مسرحية بجماليون بمقدورك أن تصعد بأدائه إلى أكثر مما أراد المؤلف في تخيلك، لذلك التفاعل بين الفنان ومحبوبته خيالاً جسده أو كينونة بشرية ضاق بها..
نحن نملك رصيداً هائلاً من معطيات المسرح الذهني والآخر الواقعي لكن ليس بين صفحات الكتب وإنما في ملفات ذكرياتنا خصوصاً لدى جيل الآباء أو الأجداد من ذوي الزواج المبكر.. عندما يتخشب متخوفون من أي جديد ثقافي فيحاصرون مهمة تطوير المسرح أو وجود دار السينما الذي لن يعرض بها إلا ما هو متوافق أخلاقياً مع سلوكيات المجتمع المطلوبة، فإنك لن تفقد هذا الامتياز.. في ذهن ذاكرتك أشياء كثيرة.. الانجليزي أو الفرنسي لا يحتفظ في ذاكرته بشيء عن حياته لكنه يجدها في كتب من ألفوها لأن الانجليزي أو الفرنسي كل منهما عرف الملامح الرئيسية لمدن بلاده الكثير وهي متماثلة في شيخوخته كما كانت عليه في طفولته.. هناك أكثر من جديد لكنه مرصود في مجالات علمية وحضارية كثيرة موجودة في معظم دول العالم ولدينا منها ما ليس بالقليل لكن نختلف أننا في واقع التقدم الحضاري يسهل علينا أن نطل على أمسنا المعيشي والاجتماعي البسيط للغاية.. للغاية..
فانلة القطن مثلاً نلبسها مع بداية الشتاء ولا تفسخها الأم عن صدورنا إلا مع نهاية الشتاء.. التراب وتجمعات مياه الأمطار في وسط الشارع الضيق بعرض لا يزيد عن ثلاثة أمتار أمر مألوف في الشميسي أو دخنة أو المرقب بل وحتى الاحساء وتبوك وعرعر.. رؤية كبار السن يؤبون مساءً وعلى رأس كل واحد ربطة برسيم والمشلح بدون زري ويكشف نصف امتداد الساقين رؤية معتادة ومتكررة.. وفيما يشبه الغذاء الجماعي حين تتناول ماعز البيت البرسيم وتمتد أيدي الأبناء والأب والأم إلى "بادية" واحدة رصت بداخلها رزاً أبيض..
رائع خيالياً أن نتابع.. تغير الشوارع.. ميلاد الكهرباء.. وجود السيارة عند أكثر من بيت ثم بريق الرخام الذي كنا نخشى الانزلاق عليه ويذهلنا بريقه بعد ذهولنا من الاسفلت والأسمنت.. أما عندما أتى التلفزيون فقد خيل إلينا أننا نطل على عوالم خرافية بعد أن كنا نشد أذاننا على اذاعة البحرين أو الكويت أو دلهي كي نسمع أغاني الصوت الخليجي "يشوقني برق من الحي لامع" أما لو وضع الجوال في أيدينا أيام شوارع الطين فسنجزم أن الشيطان أو الجن وراء تلك الأصوات التي تقلد أصواتنا..
يقول الشاعر:
"يا طول ما وسدت راسي "كتاده"
من خوفتي يعتاد لين الوسايد
و"كتاده" بترقيق الكاف فيما يشبه نطق السين هي شجرة صحراوية صغيرة كثيرة الشوك لأنه تعود خشونة الحياة ولا يريد أن يخدع نفسه وحياته ب "لين الوسايد"..
ومن قال البيتين التاليين دون شك لم يكن في خياله أي احتمال لوسيلة نقل غير المواشي..
يا راكب فوق عمليه
ما ياسم الخط ما طاها
مثل القطاة الخلاوية
لي ضمها الطير واخطاها..
لكن حين ابتسم النفط بأجمل سواد تتنفسه الأرض وبدأ الناس في الشرقية يعرفون "الدافور" كزهو حضاري للطبخ بدلاً من الحطب فقد قالوا:
يا عبيد وان انشدوا عنا
قل لهم ترانا بتنوره
قل لهم ترانا تمدنا
كل يولع بدافوره
ترى البحر قبلة عنا في ديار من يلعب الكوره
انه ذلك الشيء من الأحداث الذي يسهل أن تتصوره وتتأمله لكن يصعب أداؤه أمامك وقد ارتبط هذا النوع الفكري من التخيل الروائي بالكاتب الرائع توفيق الحكيم - رحمه الله - حيث معظم مسرحياته من السهل تخيلها لكن من الصعب أداؤها وقد حدث أن تدخل وطلب إيقاف إحدى مسرحياته من الاستمرار.. مثلاً التخيل في مسرحية بجماليون بمقدورك أن تصعد بأدائه إلى أكثر مما أراد المؤلف في تخيلك، لذلك التفاعل بين الفنان ومحبوبته خيالاً جسده أو كينونة بشرية ضاق بها..
نحن نملك رصيداً هائلاً من معطيات المسرح الذهني والآخر الواقعي لكن ليس بين صفحات الكتب وإنما في ملفات ذكرياتنا خصوصاً لدى جيل الآباء أو الأجداد من ذوي الزواج المبكر.. عندما يتخشب متخوفون من أي جديد ثقافي فيحاصرون مهمة تطوير المسرح أو وجود دار السينما الذي لن يعرض بها إلا ما هو متوافق أخلاقياً مع سلوكيات المجتمع المطلوبة، فإنك لن تفقد هذا الامتياز.. في ذهن ذاكرتك أشياء كثيرة.. الانجليزي أو الفرنسي لا يحتفظ في ذاكرته بشيء عن حياته لكنه يجدها في كتب من ألفوها لأن الانجليزي أو الفرنسي كل منهما عرف الملامح الرئيسية لمدن بلاده الكثير وهي متماثلة في شيخوخته كما كانت عليه في طفولته.. هناك أكثر من جديد لكنه مرصود في مجالات علمية وحضارية كثيرة موجودة في معظم دول العالم ولدينا منها ما ليس بالقليل لكن نختلف أننا في واقع التقدم الحضاري يسهل علينا أن نطل على أمسنا المعيشي والاجتماعي البسيط للغاية.. للغاية..
فانلة القطن مثلاً نلبسها مع بداية الشتاء ولا تفسخها الأم عن صدورنا إلا مع نهاية الشتاء.. التراب وتجمعات مياه الأمطار في وسط الشارع الضيق بعرض لا يزيد عن ثلاثة أمتار أمر مألوف في الشميسي أو دخنة أو المرقب بل وحتى الاحساء وتبوك وعرعر.. رؤية كبار السن يؤبون مساءً وعلى رأس كل واحد ربطة برسيم والمشلح بدون زري ويكشف نصف امتداد الساقين رؤية معتادة ومتكررة.. وفيما يشبه الغذاء الجماعي حين تتناول ماعز البيت البرسيم وتمتد أيدي الأبناء والأب والأم إلى "بادية" واحدة رصت بداخلها رزاً أبيض..
رائع خيالياً أن نتابع.. تغير الشوارع.. ميلاد الكهرباء.. وجود السيارة عند أكثر من بيت ثم بريق الرخام الذي كنا نخشى الانزلاق عليه ويذهلنا بريقه بعد ذهولنا من الاسفلت والأسمنت.. أما عندما أتى التلفزيون فقد خيل إلينا أننا نطل على عوالم خرافية بعد أن كنا نشد أذاننا على اذاعة البحرين أو الكويت أو دلهي كي نسمع أغاني الصوت الخليجي "يشوقني برق من الحي لامع" أما لو وضع الجوال في أيدينا أيام شوارع الطين فسنجزم أن الشيطان أو الجن وراء تلك الأصوات التي تقلد أصواتنا..
يقول الشاعر:
"يا طول ما وسدت راسي "كتاده"
من خوفتي يعتاد لين الوسايد
و"كتاده" بترقيق الكاف فيما يشبه نطق السين هي شجرة صحراوية صغيرة كثيرة الشوك لأنه تعود خشونة الحياة ولا يريد أن يخدع نفسه وحياته ب "لين الوسايد"..
ومن قال البيتين التاليين دون شك لم يكن في خياله أي احتمال لوسيلة نقل غير المواشي..
يا راكب فوق عمليه
ما ياسم الخط ما طاها
مثل القطاة الخلاوية
لي ضمها الطير واخطاها..
لكن حين ابتسم النفط بأجمل سواد تتنفسه الأرض وبدأ الناس في الشرقية يعرفون "الدافور" كزهو حضاري للطبخ بدلاً من الحطب فقد قالوا:
يا عبيد وان انشدوا عنا
قل لهم ترانا بتنوره
قل لهم ترانا تمدنا
كل يولع بدافوره
ترى البحر قبلة عنا في ديار من يلعب الكوره