بول بولز
ولد بول فريدريك بولز في الثلاثين من ديسمبر عام 1910 بمدينة نيويورك. زار طنجة لأول مرة عام 1931 فألفاها "تموج بسحر غريب." انتقل إلى المغرب عام 1947 حيث قضى بقية عمره في عزلة تامة إلى أن توفي بها في الثامن عشر من نوفمبر عام 1999. تزوج من الروائية جين بولز (1917-1973).
كان بولز متعدد الملكات: إذ كان ملحناً وكاتباً ومترجماً. درس التلحين مع آرون كوبلاند وتأثر بموسيقى موريس رافيل فألف موسيقى أكثر من ثلاثين فلماً ومسرحية قُدمت على مسارح برودواي. سجل الموسيقى الشعبية بمناطق مختلفة من المغرب وولع بالموسيقى المكسيكية. ترجم عن اللغة العربية أكثر من خمسة عشر مؤلفاً. من بين ما ترجم رواية الخبز الحافي لمحمد شكري ومجموعة من القصص تحت عنوان خمس عيون لعبد السلام بولعيش ومحمد شكري ومحمد مرابط وأحمد يعقوبي.
بدأ بولز الكتابة وهو في الرابعة لذا برع في كتابة قصص الأطفال. كتب وهو في السادسة عشر قصائد مستوحاة من الحركة السريالية وكان وقتها يقيم في نيويورك. ذهب بعدها إلي باريس التي كان يعتبرها "مركز العالم." لم يكتسب شهرته الواسعة إلا بعد تحويل روايته شاي في الصحراء (1949) إلى فلم سينمائي للمخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي (1991) ونشر روايته المبدِعة بيت العنكبوت التي وقعت أحداثها في فاس عام 1953 وهي أكثر روايته السياسية تميزاً رغم ما عُرف عنه من كراهية للسياسيين.
نشرت قصة "حادث بعيد" في مجموعة قصصية تحمل نفس الاسم عام 1988.
جرت أحداث أشهر رواياته السماء الواقية (1949) بالصحراء الكبرى وتحولت إلى فلم عام 1990 من إخراج الإيطالي برناردو برتولوتشي. وفي هذه الرواية، كما هو الحال في أغلب إبداعاته، يلحق بأبطاله الغربيين التشوه إثر اتصالهم بثقافات تقليدية تخامرهم الحيرة تجاهها. يسرد بولز في تلك المواقف أحداثاً عنيفة وانهيارات نفسية شديدة الوطأة من خلال أسلوب راق موضوعي يحاول معه سبر طبيعة العلاقة الملغزة بين الشرق والغرب والاختلافات الثقافية بينهما. فهو يرسم صورة لما يقع للمتحضر عندما يواجه شعباً بدائياً أو أماكن غريبة لم يعهدها من قبل. هنا يرى بولز الشرق، البعيد عن أساليب الغرب في التفكير والمعرفة، باعتباره عالماً يرفض الثقافة الغربية وكل ما يرمز إليها.
تتصف شخصيات بول بالحياد والسلبية المفرطة التي تجعل من الواقع الفاعل الأساسي بل والسارد أحياناً. غالباً ما تقع تلك النماذج ضمن سياق يمكن نعته بالعادي والطبيعي أو "الآمن". وعندما سئل بولز عن سبب مغادرة شخصياته المأمن الذي يشكل بيئتها المتوقعة؟ أجاب "لأمر واحد، وهو أنه لا وجود لبيئة متوقعة. إن الأمن مفهوم زائف."
على الرغم أن المغرب كان منبع إلهام لا يستهان به لكتابات بولز، وهو الأمريكي الذي سئم من رتابة نموذج الحياة الأمريكي وانجذب إلى المغاربة في عمقهم المجتمعي ببساطتهم وصحرائهم، يعترف بولز أنه لا يكتب للمغاربة العرب ولا يتعاطف معهم، إذ قال في إحدى المرات إن ما يكتبه معروفاً معلوماً عند أهل البلد: "أنا أكتب للأوروبيين والأمريكيين." فهل يرجع ذلك إلى حاجز اللغة أم إلى العلاقة الإنسانية المعبأة سلفاً بقوالب جاهزة تشي بالموقف الحاد من الغريب؟