محمد شكري:
أنا الآن رجل مطارد بشهرتي حتى الازعاج
حاوره يوسف القعيد (كاتب وروائي من مصر)
*
صوت نداء طنجة اسطوري ويجلب لها الناس مثل ساحرة عوليس.
*
محمد برادة أول من شجعني.
*
أخطأ الطاهر بن جلون في حقي عندما قال أن الخبز الحافي أمليتها على بول بولز وكفر عن خطيئته بترجمتها للفرنسية.
الرجل قبل حديثه..
- محمد شكري قبل أن نصل الى ما يقوله..
- ومحمد شكري يجلس معي تسبقه شهرته.. التي تولد حالة من الفضول إزاءه.
- وهو مثل الكتاب في العالم الثالث بسيط غسل نفسه من الغرور الذي يلازم بعض الكتاب. كان يرتدي بدلة بيضاء. وقميصا أبيض. وشعر رأسه أبيض. وعندما كتب اهداء لي على أحد كتبه. كتبه بقلم حبر أنيق. ولكنه وضع النظارة على عينيه قبل أن يكتب الاهداء الذي لم يخرج عن كلمات قليلة.
- قصة الوصول الى شكري في طنجة طويلة. ولكن لم يساعدني فيها كاتب مغربي واحد. والذين ساعدوني اما كتابا عربا مثل حسونة المصباحي. أو مواطنين مقاربة عاديين من أبناء طنجة.
- هذا ليس حديثا بقدر ما هو طرقات على الباب الذي يقود الى عالمه الداخلي. أو مصافحة أولى مع كاتب عرفناه قبل أن نعرفه. وقرأنا له قبل التلاقي معه.
- كان من حسن حظي أن اللقاء أصبح لقاء عريقا لقاء مع مدينته. ولقاء معه. فقد وصلت الى طنجة. وتجولت فيها. وجلست على مقاهيها ومطاعمها قبل أن ألقى شكري، ابن طنجة وكاتبها ومبدعها. وان هذا الحديث جرى في طنجة. كانت المدينة حول قصاصها. وكان الروائي في قلب المدينة حتى ونحن نجري هذا الحوار.
- أجريناه على حافة حمام سباحة. كان الوقت صباحا. ولم يستطع شكري الكلام الا بعد أن شرب زجاجة البيرة الأول. كما لو كانت قهوة الصباح الباكر. ومع الزجاجات الثانية والثالثة والرابعة بدأ يتجل في الحديث. - كل الذين مروا علينا من العاملين في الفندق صافحوه ورحبوا به.
والمدير انفعل وقرر أن تكون زجاجة البيرة الأول فقط هدية من الفندق. وتذكرت في هذه اللحظة أن صاحب نصف الفندق يهودي. أما صاحب النصف الثاني من الفندق الذي اشتراه حديثا فهو مسلم. وإن كان المالك عموما مازال يهوديا.
- لفت نظري ولاحظت أن شكري لم تلفت نظره طوال اجراء الحديث عرايا حمام سباحة الفندق. اللاتي كن حولنا.
- كان يتكلم بعربية سليمة، نطقها واضح وشكلها شديد الوضوح.. وأن معرفته بالتراث العربي لا بأس بها. وان كانت بعض التعبيرات يتوقف أمامها، وعندما يعجز عن العثور عليها. كان يفضل استخدام كلمات فرنسية أو اسبانية لحين الوصول اليها..
- ذلك هو محمد شكري صاحب الخبز الحال. والشطار أو زمن الأخطاء. والسوق الداخل وجان جينيه في طنجه. وتنس وليامز في طنجة. وبول بولز وعزلة طنجة.
وهذا هو حديثه..
* ما هو الجديد عندك؟!
- لي في المطبعة في الدار البيضاء كتاب فيه عدة أشياء أدبية. أنا لا يخضع لنهج أكاديمي في كتابة السيرة لقد كتبته عبارة عن سيرة لكاتب أمريكي معروف نوعا ما في العالم العربي.. وان كان معروفا أكثر في المغرب. لكنه بصفة عامة معروف بالسماع أكثر مما هو معروف بالقراءة. بمعنى أخر أن هناك قراء يقرأ ون عنه في مجلات وجرائد. ولكن القليل منهم الذين قرأوا كتبه.
والكتاب الجديد فيه شيء من سيرتي الذاتية وجزء من سيرة مدينتي. "يقصد مدينة طنجة" طنجة أمس. طنجة اليوم. وكما قلت فإن هذا الكتاب لم يكتب بطريقة أكاديمية. ليس هناك منهاج أكاديمي. ثمة سيرة عن الكاتب الامريكي بول بولز وزوجته جين بولز أولين من أوروبا نسبة الى عائلتها وجيله. أو إن شئت الدقة وجيلهما. إن الكتاب يقع في 170 صفحة.
* فيم يختلف هذا الكتاب عن كتابيك اللذين كتبتهما عن جان جينيه في طنجة وتنس وليامز في طنجة؟
- الكتابان السابقان هما عبارة عن مذكرات يومية ولم أتطرق الى تحليل كتبهما، اعتمدت فقط على ما كنت أدونه يوميا أثناء حواراتنا.
إن ذلك عكس كتابي عن بول بولز في هذا الكتاب تحليل لأعماله. وأيضا هناك رد على بعض أقواله التي قالها ضد العرب. فقد كان يشتم العرب كثيرا.
* ماذا كان يقول عن العرب؟
- من بين شتائمه الكبرى التي كان يقولها عن العرب. خاصة المغاربة. المغاربة الذين كان يقيم بينهم، إنه يقول دائما إن المغاربة لا يحبونني ولا يحبون اقامتي بينهم منذ أكثر من ستين سنة. واذا كان المغاربة لا يحبونه. فإنه هو أيضا لا يحبهم واذا هو لم يبذل جهدا لمحبتهم فكيف يتكرمون هم باستضافته وتكريمه الى غير ذلك.
هناك إذن. في هذا الكتاب رد اعتبار للمغاربة والعرب في مواجهة ما قاله بول بولز عنهم. وهذه الردود عليه. اعتمد فيها على مبدئيات وليست من عندياتي، وليست أيضا فقه من شهادات الذين عاشروه أو الذين كلموه. لا. هناك مرجعيات هناك قصصه ورواياته وهي تشهد على ما أقول وما أرد به عليه.
* هل كتابك اذن عن بول بولز كتاب انتقامي؟!
- لا. من الصعب القول عنه أنه كتاب انتقامي هذا غير صحيح. بعض الناس تعتقد أنني كتبت هذا الكتاب لكي أنتقم من بول بولز. لأنه اغتصب حقوقي التي استحقها عن بعض كتبي التي ترجمها الى الانجليزية.
* مع أنه ترجم لك أربعة كتب. وكان مشهورا أكثر منك واستفدت أنت من شهرته؟!
- نعم لقد ترجم لي بول بولز "الخبز الحافي" وترجم لي مجموعة قصصية، وترجم لي كتابي تنس وليامز في طنجة. وجان جينه في طنجة. وهذه الكتب الأربعة لم اتقاض عنها سوى "تسبيقات" أي مقدمات. وهو المبلع الذي يدفع في البداية وعند الاتفاق المبدئي. أما المبالغ التي تدفع بعد ذلك كنسب من التوزيع. فإنه لم يعطني منها أي شيء.
وفي ذات يوم قال له ونحيل أعمالي. وهو برازيلي الأصل: لماذا لا تعطي حقوق شكري. لأنه في حاجة اليها؟ فرد عليه بول بولز. ماذا يعمل شكري بالمال. هو سكير كبير وعندما لا يسكر يكتب جيدا يكتب أحسن.
* الحل إذن من وجهة نظره أن يحرمك من المال؟!
- من حقا أن يكون بخيلا. وبالمناسبة فهو بخيل جدا. ولكن ليس من حقه أن يسرق من الآخرين من حقه مثلا الا يكون فقيرا. ولكن ليس من حقه أن يحتقر الفقراء في كتاباته.
تنس وليامز
* معرفتك الشخصية بتنس وليامز ماذا اضافت لك أكثر من مجرد قراءته؟!
- معرفتي بتنس وليامز ينطبق عليها المثل العربي القديم "ان تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"س.
قراءتنا له عن بعد تركت حالة من الاعجاب به. بمسرحه وكتاباته. وربما تأثر البعض به.
تنس وليامز ربما كان كاتبا تمريرا. ولكنه لا يتحدث الا نادرا عن الثقافة وعن الكتب هو رجل ابتهاجي يفجر الأفراح يريد الجلسة الحلوة فيها سكر فيها نكات فيها أحل ومرح ولا أكثر. لكن هو منضبط جدا في العمل. هو قال لي حرفيا. ورأيته أيضا هنا في طنجة. في فندق المنزه. يصحو باكرا ويسبح. صيفا وشتاء. ثم يتناول فطوره ثم يجلس من أجل الكتابة أو لتنقيح ما كتبه أمس مثلا.
* كان يقيم في المنزه؟!
- كان يفعل ذلك دائما وأبدا. لقد عرفته بعد السبعينات. وهان كلما عاد الى طنجة يقيم في المنزه. ومن قبل أقصد في نهاية الأربعينات والخمسينات كان يقيم في عدة فنادق أخرى. وأحيانا يكتري منزلا ويقيم فيه شهورا.
* من أين كان يعيش؟! هذا سؤال لا يسأله سوى كاتب عربي طبعا؟!
- كان يعيش من حقوقه العائدة له من كتبه. لقد مات تنس وليامز غنيا. لقد مات مليونيرا بالدولارات. وبول بولز أيضا سيموت غنيا رغم أنه عاش فقيرا. بمعنى الشح أو بمعنى البخل انه ينطبق عليه القول الذي يطلق على البخلاء يعيشون فقراء ويموتون أغنياء.
* هل كان تنس وليامز يكره العرب والمقاربة مثل بول بولز؟
- لا. لا. فقط كان عنده تخوف. وهو هستيري يعني متقلب جدا. في معاملاته وفي لقاءاته مع الناس. ولكن كما قلت هو كان عنده حذر من العلاقات مع المغاربة.
جان جينيه
* وجان جينيه؟
- يختلف تماما.
* في أي الأمور؟
- بمعنى جيد وايجابي. ليس سلبيا على الاطلاق ومواقفه معروفة عالميا.
* كان له موقف مع القضية الفلسطينية.
- بدون القضية الفلسطينية. لحانت له مواقف مع السود في أمريكا. بعض المنظمات المتطرفة في طلب حقوقها كان يقف معها. ويناصرها. كان ايجابيا عالميا مع كل الثورات. أحب المغاربة، بسطاءهم وفقراءهم. وبعض مثقفيهم. هو لم يتعرف الى فئة مثقفة أو نخبوية كثيرة. كانت له صلة ببعض الأدباء المغاربة. وان كانت محدودة.
* باستثنائك أنت؟!
- أنا عرفته عام 1968. ولم تنته علاقتنا على الاطلاق حتى مات. رأيته شهورا قبل أن يموت.
وكطرفة من الطرف انه جاء يبحث عني شهورا قبل أن يموت. كان يبحث عني في مقهى نجرسكو ولم يجدني. فتغدى هناك. ومزاحا منه ترك لي هناك كأس نبيذ وجريدة فرنسية. هي "فرانس سوار" تركها. وقال للنا دل الذي خدمه. عندما يجيء شكري أعط له هذا النبيذ و"فرانس سوار" ومعناها فرنسا المسائية.
هذا من طرفه ومن مزاحه معي. وبعد شهور علمت أنه مات. كان يعرف من الأدباء المغاربة محمد برادة الى حد أنه أسكنه معه في فيلته بالرباط وعرف أيضا بعمق ليلى شهيد زوجة برادة وكان يعرف أيضا الطاهر بن جلون.
هؤلاء عرفهم بعمق في المغرب وغيرهم لا أدري ربما يكون هناك بعض الأدباء الذين عرفهم. ولكن من خلال علاقات غير عميقة.
* لم يكن جان جينيه بخيلا؟!
- لا لا. لقد مات غنيا. ولكن أهواله لم يكن يعبدها كما يفعل بول بولز. الذي يعبد المال. ولا يصرف منه الا أقل من القليل.
* أين كان ينزل جان جينيه في طنجة؟!
- كان ينزل أساسا في فندق المنزه. وقلت له ذات يوم لماذا أنت مع المنبوذين والمهمشين والمشردين. وأنت تسكن في نفس الوقت في فندق فخم هكذا. الا يوجد في ذلك تناقض صارخ؟ قال لي أنا سأجيبك. أولا أنا صحتي الآن أصبحت تتطلب حمية خاصة من الأكل وأخذ حمام ساخن. يعني بعض الحاجيات التي تتطلبها صحتي هي التي ترغمني على السكن في هذا الفندق الفخم. والا كنت قد سكنت في الفنادق الفقيرة حتى أكون قريبا من تلك الأحياء الشعبية المحيطة بالسوق الداخل. وفي عمقه.
طنجة
* لماذا طنجة بالذات يأتي اليها أدباء الغرب الكبار هكذا؟!
- طبعا أسطورتها مغرية. وصوت ندائها يجلب مثل ساحرة عوليس. كل واحد كان يأتي بدافع شخص أو أدبي. هناك مثلا على ذكر بول بولز. لقد جاء ليدرس المجتمع المغربي. ربما هو رأى أن المجتمعات العربية استهلكت كثيرا من طرف الكتاب الفرنسيين والأمريكيين كان يعتبر أن المغرب بلد مازال بكرا في حاجة الى اكتشاف. فهو جاء بمثابة انثر بولوجي.
* وتنس وليامز؟!
- تنس وليامز لم يكتب شيئا عن المغرب إلا إشارات في رسائله الى أمه. وكان يجيء الى هنا ليكتب. أو يتم ما كتب. كتابات ليست عن المغرب ولا عن طنجة.
* وجان جينيه؟!
- جان جينيه أيضا لم يكتب شيئا عن طنجة أبدا. وعندما جاء الى طنجة كان قد وضع في مقبرة الأدب. كما قال لي. بمعنى أنه تخلى عن الكتابة. وآخر عمل كان قد كتبه. وصودر في فرنسا هي مسرحيته "الحواجز". وتوقف عن الكتابة. ولم يستأنفها الا في السبعينات عندما كتب الأسير العاشق عن القضية الفلسطينية. والذي صدر بعد موته كما هو معروف. لقد تخلى عن الكتابة لكي يتفرغ نهائيا للسياسة.
خوان غويتسولو
* لم يحضر بول بولز وجان جينيه وتنس وليامز الى طنجة في حين يذهب خوان غويتسولو الى مراكش؟
- هناك تحليل لهذا. كما قلت كل واحد عنده حوافز. وكل واحد عنده ظروف. خوان غويتسولو يعيش بين ثلاث محطات. أولا عنده مسكن ورثه من عائلته في برشلونة بالتحديد على بعد أر بعين كيلومترا خارج برشلونة وقد شاهدت هذا المنزل بنفسي عندما ذهبت الى اسبانيا ويعيش في باريس. عنده شقة يعيش فيها مع مونيك. وعنده منزل اشتراه في مراكش. هو يعاني من الربو. ومناخ مراكش وطقسها جاف جدا. ويلائم صحته. بالاضافة الى أنه أكثر من منضبط في الكتابة. هو مهووس بالكتابة. وأنا أعرفه لأنني عشت معه أسبوعين في برشلونة. من الممكن أن أقول أنه يشتغل حوالي ثماني أو تسع أو عشر ساعات كل يوم. بين الكتابة والقراءة وهو يحب العزلة ومراكش أهثر دعوة وترحيبا بالذين يحبون العزلة من طنجة. طالما أن العزلة أو الوحدة قد يخلقها الانسان أينما كان.
إنه يحب كثيرا ما نسميه عاميا الفولكلور "الأدب الشعبي" كحكايات وتقاليد وعادات. وهذه الأشياء موجودة أكثر الآن في مراكش أكثر من وجودها في طنجة.
* هو يذهب أيضا الى الأماكن الساخنة في العالم. سراييفو. الشيشان. هل لديك تفسير لذلك؟!
- ساخنة كطقس أم ساخنة بما فيها من أحداث؟
* أحداثها هي الساخنة.
- أنا أعتقد أنه كاتب ملتزم بصراحة بفكر سياسي وعنده تضامن كبير مع الشعوب المقهورة وأحيانا يعرض نفسه للخطر. عندما ذهب مثلا الى البوسنة وكتب شهادته. عما يجري هناك. كما فعل جان جينيه عندما كتب عن صبرا وشاتيلا. هو فعل نفس الشيء تماما.
ولا ننسى هنا أن جان جينيه أثر كثيرا على خوان غويتسولو باعتراف غويتسولو نفسه. اعترف أنه تأثر بفكر ومواقف وطريقة حياة جان جينيه.
الجزء الثالث
* الخبز الحافي. والشطار أليس لهما جزء ثالث؟!
- أنا لحد الآن لست متأكدا. هل سأكتب الجزء الثالث أم هناك محاذير. كل ما أستطيع قوله أن هناك مخاضا بداخلي. ولكن لم يأخذ بعد الشكل. هل سأكتب جزءا ثالثا أم رواية؟! أكيد أني ربما لن أكتب بعد القصة القصيرة لن أكتبها أبدا بعد الآن.
* مع أنك بدأت بكتابة القصة القصيرة؟!
- فعلا. وعندي مجموعتان من القصص القصيرة. وان كنت لا أعرف بالضبط. وان كان شعوري الآن أنني لن أعود الى كتابة القصة القصيرة أبدا.
ولكن القطيعة قد لا تكون نهائية. والقطيعة ليست لمجرد الرغبة في القطيعة. وان كانت القصة القصيرة لم تعد تستهويني. هواجس كتابتها مثل ما كان من قبل.
* هل تعرف السبب؟
- السبب... السبب ربما أنا مطالب الآن في الحقيقة بكتابة أعمال طويلة أكثر من القصة القصيرة. لأن هذه الأعمال هي شمولية. بينما القصة القصيرة هي مبنية دائما على حدث. أو لحظة من اللحظات أو فكرة أحدوثة. أنا أشعر أن هناك مخزونا من التجارب التي عشتها ولم أكتبها بعد. تجارب من السبعينات الى الآن.
هذه التجارب ربما تتطلب مني أن أكتب أعمالا روائية أو طويلة.
* أنت تعتبر الشطار هي الجزء الثاني للخبز الحافي؟!
- نعم.. نعم.
* لماذا نشرتها بعنوانين. في داخل المغرب الشطار. وفي خارج المغرب زمن الأخطاء؟
- سأوضح هذا بالطبع.
* خاصة أنه ليس من حق الكاتب أن ينشر عملا واحدا بعنوانين مختلفين؟!
- للحقيقة وللتاريخ الأدبي أقول أنني لا أوفق كثيرا في اختيار عناوين أعمالي الأدبية. والعنوان الأساسي لهذا الجزء الثاني هو الشطار وبهذا العنوان كتبت النص. وكنت سأنشره به سواء في المغرب أو دار الساقي في لندن. وأرسلته الى المطبعة. ولكن قبيل نشره في المغرب اقترح علي محمد برادة. قال لي أن الشطار كلمة تراثية. وهناك أناس قد لا يعرفون معنى هذه الكلمة. وهو يقصد بذلك القراء العاديين. الذين لا يحب أن نحرمهم من بعض القراءة التي تتطلب منهم جهدا. فلماذا لا تسمي هذا الجزء الثاني زمن الأخطاء. لأن عندك داخل الجزء الثاني عنوان فرعي هو "العيش في زمن الأخطاء". احذف العيش واترك زمن الأخطاء. ونحن نعيش كثيرا من الأخطاء. هي أخطاؤك وأخطاؤنا. والعالم في طريق التنقيح. طبعا أن لا أنقح العالم من خلال كتابي. ولكن جزءا من تجربتي فيها تنقيح لبعض الأشياء التي أراها بشكل يختلف.
إذن هذا هو السبب في صدور العمل في لندن تحت اسم الشطار. وكانوا قد بدأوا يطبعونه. وصدر في المغرب باسم زمن الأخطاء. هناك بعض الناس. وانطلاقا من نوايا سيئة. قالوا إنني أردت عن قصد أن أنشر هذا الكتاب بعنوانين حتى أوهم الناس أنني كتبت كتابين وهذه عملية تجارية.
طبعا أنا قلت لك هذه نوديا سيئة. وأن لم تكن لي هذه النوايا. ولم تكن هناك امكانية لتغيير عنوان الكتاب الذي صدر في لندن في ذلك الوقت. بعد أن اقتنعت بفكرة برادة.
* فكرة برادة الا تعد تدخلا في العملية الابداعية بالنسبة لك؟!
- لا. قد يكون اذا أقنعني أي واحد بدون أن يكون صديقا أنا أقتنع. ثم هو لا يلزمني بشيء ولا يلازمني في عملية الكتابة. إنها مجرد خدمة يزجيها لي. مجرد اقتراح لعنوان فقط والعنوان موجود عندي.
يا أخي عندما كتب اليوت الأرض الخراب وأعطاها لازرا باوند وأجرى عليها له بعض التعديلات. هل يعتبر هذا تدخلا منه؟ هل يعد هذا عيبا؟ ومحمد برادة لم ينقح لي الرواية. هو فقط اقترح أن يكون عنوان فرعي عنوانا للرواية.
المغرب
* لم تنشر نتاجاتك خارج المغرب وتقاطع الصحافة المغربية؟!
- تقصد أنني أولا عندما بدأت أنشر. نشرت في جريدة العلم. بعض القصص الأولى. وللحقيقة أقول لك أنها أول قصة نشرتها وقد كانت بدايتي القصصية التي رحب بها الكثيرون، هي العنف على الشاطيء. وهذه القصة نشرها لي الدكتور سهيل ادريس في مجلة الآداب. وبعث لي برسالة يقول فيها أعجبت بقصتك. وأشجعك على المضي في القراءة. كان عمري 31 سنة. وسنه 67 نشرت قصة ثانية في مجلة الآداب. وكانت في بداية عهد خاتم. كل واحد كان يريد أن ينشر فيها. يحصل على اعتراف أدبي. وكذلك كانت مجلة الأديب مثلا.
ولكن كان من حسن حظي أن كتاباتي في الستينات كان فيها نوع من الجرأة التي سماها الآخرون الوقاحة لأنني كنت أوظف الجنس في قصصي وان كنت لا أوظفه للاستعراض أو الاثارة. أو التهييج. ولكن بعض العقول لاحظت أنني أكتب كتابات اباحية مخلة بالآداب. ومع هذا جرى تشجيع هذه الكتابات. في سنة 1972. كتبت مقالا طويلا تحت عنوان "مفهوم التجربة الأدبية" وارسلته الى جريدة العلم. وقد تلقيت ردا من رئيس التحرير عبدالجبار السحيمي يقول فيه أن المقال طويل ومكتوب بطريقة انشائية. ومن الأفضل أن أعيد كتابته.
وقد أرسلت نفس المقال الى مجلة الآداب كما هو. وقد نشرته بعد صفحة الافتتاحية في سبع عشرة صفحة. وكان له صدى طيب. كان هذا هو السبب الذي دفعني الى النشر في بلاد مشرقية. خاصة انه في ذلك الوقت لم تكن عندنا مجلات متخصصة في نشر الابداع مثل مصر ولبنان والعراق. مثل المجلة أو الكاتب أو الهلال. وهذا هو السبب في انني نشرت خارج المغرب قبل النشر في المغرب نفسه.
السياسة
* ألا تنتمي الى أي حزب سياسي في المغرب؟!
- أبدا. لا أنتمي الى أي حزب سياسي في المغرب.
* لماذا؟!
- عندي دائما أن فكرة عضوية الحزب قد تؤثر على حريتي الشخصية. لا أحب أن أحاصر بأيديولوجية حزبية معينة وأبقى في محورها وتأطيرها. وهذا مصطلح جديد نستعمله نحن.
لقد رأيت كثيرا من الزملاء السياسيين كانوا ملتزمين جدا مع حزب معين، ثم جاءت فترة خذلوا في هذا الانتماء السياسي. إما خانوا أو خين بهم. انها لعبة قذرة جدا.
وهذا لا يعني رفضي لبعض المنتمين سياسيا، السياسة للمناضلين. كما أن الاجتهاد الديني للفقها، ولا أريد أن أشغل نفسي بهذا الانتماء السياسي على حساب ابداعي.
أنا أكتب سياسة ولكن بطريقة غير مباشرة. وذلك عندما أكتب عن المهمشين. انني بذلك أشجب الظلم وهذا موقف سياسي وليس مهما أن أكون منتميا الى يمين أو يسار.
* ومع أي القوى تتعاطف؟!
- مع الاتحاد الاشتراكي. ولكني لست منخرطا فيه ليست لي عضوية فيه. لا أقدر على ذلك. ان هذا يتجاوز قدرتي على الانضباط. ومع هذا كانت عندي معرفة بالزعيم علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال عندما كان يأتي الى هنا في طنجة. كنت التحق به في فندق شهرزاد. وكنا نتحدث في الأدب. ولكني لم أتحدث معه في السياسة أبدا. ان ما أعجبني في هذا الزعيم انه زعيم سياسي ملم بالتراث الأدبي والفلسفة والدين. لم يكن يرفض الحوار مع بعض التيارات الأدبية منها ما هو مسيس ومنها ما هو أدبي محض مثل الوجودية.
كان يقبل الحوار مع المثقفين حول السوريالية والفوضوية والدادية. كنت اتحاور معه ولا أقول أتناقش. لأن النقاش يحتمل دائما سوء التفاهم. بدون مبالغة.
أنا كنت أمامه بمثابة التلميذ خاصة عندما كان يصوب لي بعض الأحكام والآراء الأدبية. وكنت أستفيد منه.
قابلت سياسيين ينتمون الى اليسار مثل عبدالرحيم بوعبيد البازغي عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي. ومحمد برادة. وهو عضو مهم في الاتحاد الاشتراكي. ومحمد الاشعري رئيس اتحاد كتاب المغرب وهو عضو في الاتحاد الاشتراكي.
ولكن عندي علاقة مع يمينيين مثل المعطى بوعبيد الذي يشكل حزب الأحرار اليميني. وأجلس مع عبدالجبار السحيمي الذي ينتمي الى حزب الاستقلال. كان في المعارضة وأصبح الآن حزبا معتدلا. وبرادة صديقي رغم الخلاف في الانتماء السياسي.
ادباء المغرب
* وعلاقتك بأدباء المغرب؟!
- هناك درجة من الغيرة. وهذا يسبب لي حالة من التشطيب. ان يشطب عليك. مثل ما قالها أحمد المديني وغيره. عندما قالوا انني لا أستحق هذه الشهرة. وان هذه الشهرة جاءتني عن طريق علاقاتي. مثل علاقتي مع محمد برادة الذي كان أول من شجعني. وكان له فضل في نشر مجموعتي القصصية الأولى. نشرها عند سهيل ادريس في دار الآداب. وقام الطاهر بن جلون بترجمتها الى الفرنسية.
وعندما قال الطاهر بن جلون أن روايتي الخبز الحافي قد أمليتها على بول بولز شفافة. ولكن برادة قال له انه على خطأ في ذلك. وأقنعه أن الرواية مكتوبة بالعربية أولا، وقام بن جلون بترجمتها الى الفرنسية كنوع من التكفير عن خطئه. أنا عضو فقط في اتحاد الكتاب. عضو عادي ولا أصل الى أي منصب قيادي. لأن هذا لا يناسبني أبدا.
علاقتنا نحن أدباه المغرب لا تجد فيها سوى الغيرة القاتلة أما المنافسة أو الغبطة فهي قليلة جدا. ولكني في مواجهة هذه الأصوات الحاقدة أو الغيورة أو الحسودة. أحاول دائما أن أتجاوز نفسي في كتاباتي. وان يكون كل كتاب لي أفضل نوعا من السابق أو على الأقل في مستواه.
ان حياتي كلها مبنية على التحديات. التحدي الأول الخروج من سجن الأمية. التحدي الثاني أن التزم مه الكتابة أكثر من الالتزام مع تكوين أسرة على حساب ابداعي. التحدي الثالث. كل ما يعمل على احباطي اتحداه. ان الاستمرار في الانتاج هو تحدي عمري الأساسي والجوهري.
التوقف
* لقد توقفت عن الكتابة من 73 الى 1992 وهي أخصب سنوات عمرك؟!
- كتبت في هذه السنوات أربع قصص قصيرة في تسع عشرة سنة. أوافقك أنها كانت سنوات مهمة. ولكني عندما توقفت كانت هناك ظروف. لم أكن أجد ناشرا لكتبي. لقد رفض سهيل ادريس نشر الخبز الحافي لأنه كتاب مبتذل وينبغي أن تعاد كتابته. وأن علي أن أفلسفه وأن أفلسف حياتي فيه. ولكن في مؤتمر الرواية الذي عقد في المغرب سنة 1983. طلب مني سهيل ادريس أن ينشر الخبز الحافي على أساس أن يعمل رتوشات. فقلت له لا توجد رتوشات أبدا.إما أن ينشره كما هو أو لا.
أقول خلال هذه السنوات، كانت هناك بعض الموانع ولا أقول بعض الاحباطات حتى أتخلى عن الكتابة نهائيا. هذا التوقف جعلني أتساءل. هل أنا أهرب من الكتابة أو أن الكتابة هي التي تهرب مني؟
* هل كان لظروفك الحياتية دخل في ذلك؟!
- لقد كنت أكتب وفق شرط حياتي الخاصة لقد ولدت سنة 1935. ومع هذا لم أعرف الكتابة سوى متأخر. وعندما نشرت قصتي الأولى كان عندي 31 سنة. كان ذلك سنة 1966. لا يجب أن ننسى. ولا يجب أن ينسى أحد أنني عشت أميا حتى العشرين من عمري. من سنة 1935 حتى سنة 1955. في سنوات الأمية عندي قصة لم أحكها من قبل عندما كنت أبيع السجائر المهربة. كان لي حساب في البنك كنوع من التوفير. كنت أوقع بإبهامي كنت أضع إبهامي في المدادية أو المحبرة لكي أوقع في الاستمارة التي فيها المبلغ الذي أريد أن أسحبه. وفي هذه الأثناء قام أحد الذين كانوا يجلسون معي في المقهى بتعليمي كيف أوقع اسمي أو كيف أكتب امضائي. ذهبت ذات صباح الى البنك وأعلنت تعلمي قلت لهم. الآن أستطيع أن أوقع اسمي فأعطاني بطاقة جديدة ومزقوا القديمة التي فيها نموذج الابهام. وكتبت توقيعي على أساس أن كل مبلغ، سأسحبه لابد من التوقيع أمامه في الورقة التي تثبت إمضائي.
بعد أيام رجعت لهم أريد أن أسحب مبلغا من المال. ملأ الموظف الاستمارة، وقال لي وقع فوقعت. وان كنت قد نسيت الامضاء الذي علمني اياه هذا الرفيق الذي يجلس معي في المقهى. مدير البنك قال لي يمكنني اعطاؤك المبلغ لأن هذا التوقيع مخالف للتوقيع الذي وقعته من قبل. كان المحاسب قد رفض الأمر برمته. ولكن من حسن حظي أن المدير كنت أبيع له السجائر المهربة. ولذلك فهو يعرفني خير المعرفة.
قال لي نحن الآن في مواجهة مشكلة، ومن أجل حلها. من الأفضل أن تعود الى التوقيع بإبهامك، حتى نخرج من المشكلة قلت له. معنى هذا أنني عدت الى الأمية. التي كنت أتصور أنني خرجت منها.
* كيف كان حالك مع القراءة التي بدأتها متأخرا جدا..؟!
- قرأت مثلما كتبت بعد سن العشرين. كنت قارئا مجنونا ومهووسا بالقراءة الى حد الجنون لأنني بدأت متأخرا. كنت أقرأ ليل نهار. كنت أقرأ كلما فتحت عيني. الطريقة التي كنت أقرأ بها كانت طريقة انتقامية. كنت انتقم من السنوات التي مضت وأنا أمي.
قرأت جزءا من الأدب العربي القديم. كان عندي تصور أن الأدب كان موجودا في مصر ولبنان فقط. كنت أتصور أن العاصمة الثقافية لنا هي مصر.
فيما بعد اطلعت على أدباه عراقيين وسوريين لا يقلون عن المصريين واللبنانيين كثيرا.
وقرأت لنجيب محفوظ وربما يكون عندي رأي أفضل من كل ما يقال والكثير الذي قيل عنه. أنا أعتبره هرم الرواية الغربية. هو يتربع على القمة.
ولكني أخشى على بعض الروائيين العرب الأقل مستوى. أخشى بشكل محدد على الروائيين الشبان أن يكون هذا الهرم الذي هو نجيب محفوظ عائقا أمامهم يحول دون قدرتهم على الابتكار وخلق أعمال روائية في مستواه أو فيما يتجاوزه أخشى على بعض هؤلاء أن تعوقهم قمة نجيب محفوظ. ولا يخترقوا آفاقا جديدة في الرواية العربية.
* الا تخشى ذلك على نفسك أنت؟!
- أنا شخصيا لا أخشى شيئا ولا أقول أنني سأصبح أفضل منه. ان عبقرية نجيب محفوظ لا تشكل عائقا لمشواري الأدبي. هذه نقطة قد لا تعجب الكثيرين. انني عندما أقرأ نجيب محفوظ لا أجد فيه كل الزخم القاهري. أعتبره كاتبا قاهريا. انه لم يكتب عن مصر. ولكنه كتب فقط عن القاهرة. وفي بعض الأعمال يبدو كما لو كان يكتب عن قرية تتمدن.
* قاهرة نجيب محفوظ أدبيا لا تقل عن مدن الكتاب الآخرين ان لم تتفوق عليها والأمثلة كثيرة؟!
- لكل كاتب مدينته. روما مورافيا. اسكندرية لورانس داريل. سان فرانسيسكو. شتاينبيك. وهذا أفضل. هناك كتاب كونيون. عالميون أو شموليون مثل هيمنجواي الذي كتب عن مجاهل افريقيا. ومالرو الذي كتب عن شرق آسيا. كتاب جوالون.
* أرى ظلال لغات غير العربية في كلامك؟!
- أنا أتكلم الاسبانية أساسا. ثم الفرنسية. المنطقة التي درست فيها تقع بعد أصيلة. ولدت في الناضور. وقريتي هي بني شنكر. وأنا أمازيغي أتكلم البربرية. ثم درست العربية والاسبانية وبعدها الفرنسية. وقليلا من الانجليزية.
أنا موجود في طنجة. وهي مدينة تصب فيها كل الاجناس كيف لا يتعلم الانسان بعض اللغات. لو عشت في أصيلة أو العرائش. لما كانت هناك فرصة تعلم عدة لغات.
الشهرة
* يقول أدباه المغرب أن شهرتك جاءت من الغرب أساسا لسبب نوعية ما تكتبه؟
- شهرتي لم تكن قادمة من الغرب اطلاقا. بدايات شهرتي كانت من المشرق العربي. لبنان أساسا حيث نشرت في مجلة الآداب. ثم مجلات عراقية مثل الاقلام والطليعة الأدبية.
الآن فقط يمكن القول أن شهرتي قادمة من الغرب. عندما ترجمت الخبز الحافي الى الانجليزية.
* يقول بول بولز أنه عندما ترجم الخبز الحافي الى الانجليزية لم يكن هناك نص يترجم منه أفسد نصا مكتوبا؟
- أمليت النص عليه بالاسبانية. لأنه لم يكن يعرف العربية. يعرف فقط كلمات دارجة قليلة من العامية المغربية. وهذه الترجمة لم تحدث أي شهرة لي. الشهرة جاءت من الترجمة الفرنسية. وعندما ترجمها طاهر بن جلون كان أمامه نص مكتوب ومنثور بالعربية. وما نشره الطاهر بن جلون بالفرنسية هو أسلوبي أنا مترجم الى الفرنسية. وهو ليس أسلوبه. لأن الأسلوب هو الرجل. الطاهر بن جلون فاسي الأصل تربى في طنجة. وأنا ريفي الأصل تربيت وعشت في طنجة.
* من من النقاد ساعدك وكتب عنك وعرف الناس بك؟
- من النقاد الذين ساعدوني محمد برادة أولا. ثم صبري حافظ وفاروق عبدالقادر. صبري حافظ كتب عني عدة مرات. وكتب تحليلا نشر في نهاية رواية الشطار في حولي 30 صفحة. وصلاح فضل عمل تحليلا جيدا جدا ونشره في المصور لـ "زمن الأخطاء".. هناك بعض المبدعين الذين كتبوا عني جيدا مثل عالية ممدوح الكاتبة العراقية.
المشروع
* ما هو مشروع محمد شكري أساسا؟
- الكتابة حتى لو كتبت عن النفايات فلابد من الكتابة عنها بأسلوب سام وجمالي. وممتع بمعنى أن الكتابة حتى لو حملت كل ما هو قبيح في حياتنا. فلابد وأن يتم التعبير عن هذا بصورة جميلة ومبهجة.
أعتقد أنه ليست عندنا نفس الشروط التي كتبت بها مارسيل بروسة أو سارتر أو كامي. ولكن هذا لا يعني أنني كام. بمعنى أن الكتابة التي أكتبها هي مجرد احتجاج على ما هو مستغل أن هذا قد لا يكون أكثر من رؤية تمردية بالمعنى الوجودي وليس من خلال الطرح السياسي.
أنا لست ثوريا. لأن الثوري مرتبط بالالتزام السياسي. التمرد - من وجهة نظري - أهم من الثورة. أنا متمرد على الوظيفة التي طلقتها ومتمرد على الأسرة. التمرد حالة مستمرة فيها ديمومة. في حين أن الثورة قد تستكين عندما تحصل على انتصاراتها، الثورة محدودة بانتصاراتها أما التمرد فهو لا نهائي.
* ما هي مشاكلك الآن؟
- قد لا تصدق. أنا الآن رجل مطارد بشهرتي وذلك الى حد الازعاج. لا أقدر أن أجلس مستريحا في مكان عمومي. مثلا حدث أن ذهبت الى طلحة جبريل في فندق المنزه. كنا نريد أن نسجل سيرتي الشخصية.
وبدأنا نسجل وفتحنا الكاسيت. ولكن لم يمض أكثر من ربع ساعة. حتى كانت هناك عائلة تجلس بعيدا عنا ثم انتقلت الينا. وهكذا اكتشفت أن هذه العائلة الغريبة تنصت لما نقوله. فتوقفنا عن العمل. الناس العاديون لا يخدمون وحدة المبدعين. انني أتفادى المرور في الشارع الرئيسي. إن حدث وتمشيت في طنجة فإن ذلك يتم في الشوارع الخلفية، حتى لا يوقفني أحد ويسألني: هل عندك جديد؟ وان قلت له عندي يقول لك ما هو. وان قلت له لا. يسألك ولماذا ليس عندك جديد؟
ان عدوان علي. قد يكون عندي موعد هام قد أكون مشغولا بقضية تقلقني. ربما كان عندي موعد مع نفسي.
سأحكي لك قصة حدثت لي. قابلني أحد الناس وعزمني على فنجان قهوة في المقهى القريب. اعتذرت له قائلا انني عندي موعد مع جان بول سارتر. هنا في طنجة. فقال لي اذن أذهب معك اليه مادام هنا في طنجة. انها فرصة.
* هل للكتابة طقوس عندك؟
- عندي مراحل للكتابة وليست طقوسا، في الستينات كنت أنزل في الفنادق الصغيرة. وكنت أكتب في المقاهي والحانات والمطاعم. إن الصخب يملأ المقاهي. حتى لو كان زبائن المقهى يشاهدون مباراة لكرة القدم.
بعد الفنادق.. أصبح لي بيت صغير في الحي الشعبي الذي ارتبطت به، وعبرت عنه وهو سوق الداخل حتى اذا انتهيت من استهلاك هذه الأحياء أو هي استهلكتني. انتقلت الى المدينة الجديدة وانتقل من شقة الى أخرى.
* ولكنك الآن في شقة لها تليفون؟!
- هذه مرحلة الاستقرار. أنا في هذه الشقة منذ 1970. أي منذ حوالي 26 سنة. ربع قرن وسنة. وهي شقة مؤجرة. أدفع لها كراء رمزي قدره 250 درهما. حتى عندما أذهب الى الفنادق الصغيرة في الحي القديم، فإن هذا يتم لعدة أيام أعود بعدها الى شقتي حتى لا أمل.
* يقولون أنك تملي أدبك على كاسيت؟!
- هذا لا يحدث اطلاقا. أكتب بالقلم على الورق. ليس مهما بالنسبة لي الكتابة الأولى أبدا. المهم هو عمليات التنقيح التي تتسع أحيانا أعيد كتابة العمل أكثر من مرة. وقد تستمر هذه العملية حتى والعمل في المطبعة.
ولكن الكتابة الفعلية هي التي تتم في الذهن دائما يكون عندي ما يشغلني. ما أريد أن أقوله وأحيانا تظل القصة في ذهني فترة طويلة. أنام بها وأصحو وهي معي. وأتجول وهي تطن في أذني. وهكذا. أنا في هذه الأيام أستعد لنشر أول كتاب عبارة عن مقالات لي. عنوانه: تجربتي مع القراءة والكتابة. وهو كتاب سيثير العديد من القضايا. وربما النصائح.
ولن يقل رد فعله عن رواياتي أبدا