تتميز الرواية بين الأجناس الأدبية الأخرى بانفتاحها ؛ نتيجة عدم اكتمالها " فهي على خلاف الأجناس الأدبية الأخرى لا تمتلك قوانين خاصة ؛ وما هو فعال تاريخيا يتشكل من عدة نماذج روائية وليس من القواعد الروائية في حد ذاتها " . ( 1 )
وقد أدى هذا الانفتاح بجنس الرواية إلى الدخول في حوار متعدد الأبعاد مع جميع الأجناس الأدبية الأخرى ؛ كما جعل الرواية صوتا قادرا على التعبير بلغة سردية عن جميع القضايا ؛ سواء أكانت سياسية أو اجتماعية ...
وفي رواية "امرأة النسيان" للروائي المغربي محمد برادة ؛ (2) نجد الروائي - كعارف بقضايا السرد الروائي – يستغل هذا الانفتاح كخطة لمساءلة الراهن السياسي المغربي ؛ وذلك عبر طرحه لموضوع يغلب عليه الطابع الذاتي أكثر مما ينطبع بالموضوعية . وتكشف عن ذلك بوضوح سنة النشر(3) ؛ التي تحيل على مجموعة من التحولات السياسية المؤسسة للراهن السياسي المغربي .
وقد سال مداد كثير في هذا الموضوع ؛ فهناك من اعتبر الرواية هجوما عنيفا على رفاق الأمس الحزبيين؛ (4) الذين عرفوا من أين تؤكل الكتف – كما يقول الفقهاء – فأكلوا كل الكتف ؛ ولم يتركوا شيئا لرفاقهم في النضال . وهناك في الوقت ذاته من اعتبرها تخييلا روائيا ؛ حاول نسج خيوط مرحلة عاشها الروائي عن قرب ؛ ومن حقه – كروائي – التعبير عنها في شكل سردي ؛ ما دام طابع الانفتاح الذي توفره الرواية يسمح له بذلك .
أما نحن فسنترك هذا وذاك جانبا ونحاول الاقتراب من (امرأة النسيان) ؛ رغم أن المرأة لا تبوح بأسرارها إلا لعاشق .
النسيان ك" تيمة" مهيمنة على رؤية برادة الروائية
من خلال عملين روائيين للروائي المغربي محمد برادة : لعبة النسيان و امرأة النسيان ؛ نجد النسيان تيمة أساسية توجه العتبة الرئيسية للنص الروائي (العنوان ) .
ونعر ف قيمة العنوان في الدراسات البويطيقية الحديثة – خصوصا مع جيرار جنيت - كمدخل رئيسي ؛ وكنص مواز ؛ يبوح بداية بما يريد النص أن يخفيه .
فما هي أهم الدلالات التي يأخذها النسيان في رؤية برادة الروائية ؟
في مقدمة الطبعة الثالثة لرواية ( لعبة النسيان ) لمحمد برادة ؛ نجد الروائي يقترب من مفهوم النسيان كما يحضر في روايته بقوله : " ولأننا تعودنا على النسيان ؛ فإننا لا ننتبه كثيرا إلى تغير الأشياء من حولنا ؛ وإلى تغير علاقاتنا وذواتنا . ولكن يكفي أن تنبثق بعض اللحظات من منطقة النسيان فينا ؛ لتبدأ دينامية التذكر ؛ وليبدأ الخيال في نسج ما هو كامن في اللاشعور ؛ وفي الذاكرة الغافية "(5)
إن النسيان عند محمد برادة آلية للإخفا ء والإعلان في الآن ذاته ؛ فنحن ننسى الكثير مما نعيشه ؛ وفي الآن ذاته ؛ فإن لحظة خاطفة تدفعنا إلى نبش الذاكرة الغافية لتحقيق الإعلان عما أخفي من قبل .
إن استراتيجية التخييل في الرواية ‘ تقوم في الأغلب على عمل الذاكرة .
وما يجعل رواية ( امرأة النسيان ) تدخل في علاقة مع رواية ( لعبة النسيان ) – حيث تجتمعان معا حول تيمة النسيان كبؤرة للسرد – هو انتقال شخصية (ف ب) من الرواية الأولى إلى الرواية الثانية :
" فهمت أنها صديقة حميمة ل: (ف ب) ؛ إحدى الشخصيات النسائية الواردة في رواية لعبة النسيان " (6)
" ولم أستطع التملص من تحديد موعد لزيارة ( ف ب ) النازحة من صفحات ( لعبة النسيان ) إلى حي فيردان بالدار البيضاء " . (7)
وما يبدو هو أن (ف ب) شخصية تخييلية في ( لعبة النسيان ) ؛ تقترب من الواقعية في ( امرأة النسيان)؛ الشيء الذي يوحي ولو ترميزا إلى أن ( امرأة النسيان ) رواية مرتبطة بواقع مرحلة معينة من تاريخ المغرب المعاصر ؛ يحاول الروائي أن يتذكرها و يخرجها من بين كثبان النسيان ؛ رغم أنه قريب منها إلى حدود الاتصال بها .
هكذا توهمنا (امرأة النسيان) بأنها سرد استحضاري ؛ استيعادي ؛ يعمل من خلال الذاكرة ؛ بينما تخفي ارتباطها بالراهن ؛ وتعبيرها عنه ؛ من خلال ارتباط السارد في الرواية بمجموع الشخصيات المؤثثة لفضاء السرد . فتتحول بذلك كتابة الراهن في رواية ( امرأة النسيان ) ؛ إلى كتابة للذاكرة ؛ محولة بذلك أحداثا حقيقية عاشتها الذات الكاتبة إلى خداع وأوهام للتاريخ . ولم يتحقق لها ذلك إلا عبر توثيق صلتها بالنسيان ؛ كاستراتيجية للإخفاء ؛ وإعادة الكشف في صور مختلفة عن النموذج المخفي .
ولتحقبق هذا الرهان نجد السرد في ( امرأة النسيان ) يتأرجح بين الواقعي الجذاب ؛ وبين الأفق الممكن ؛
الذي تؤشر عليه الرؤية التنبئية ل: ( ف ب ) ؛ المتمردة على إطار التخييل ؛ الذي وضعها الكاتب داخله. لكن مسار التخييل في الرواية يزعزع (ف ب ) بين الحين والآخر ؛ مرغما إياها على الدخول في لعبة تخييلية منسوجة مسبقا ؛ خوفا من الانفلات الذي قد تحققه ( ف ب) من قبضة التخييل .
تخاطب (ف ب) السارد قائلة : " منذ كتبت لعبتك وأنت تختبئ وراءها . ألم يحدثك الهادي عني ؟ ما أخباره ؟ منذ رأيته آخر مرة منذ سنوات في المقهى بباريس ؛ لم ألتق به "(
هكذا يربط السارد شخصية ( ف ب ) بمسار تخييلي سابق ؛ هو مسار( لعبة النسيان) ؛ موهما إيانا باستمرارية التعلق بالذاكرة و التعالي على الراهن .
لكن هذا التعالي لم يستمر في الرواية ؛ بل يفرض الراهن نفسه على السرد ؛ محولا بذلك النسيان من أداة للإخفاء ؛ إلى أداة للفضح و الكشف عبر توارد مجموعة من الأحداث –نزعم- أنها جوهر المادة الحكائية التي تم تصنيعها روائيا عبر استراتيجية مزدوجة ؛ تنتقل ما بين الإخفاء و الكشف ؛ ما بين الارتباط بالراهن ؛ والانفلات من قبضته .
هكذا نجد الرواية ترسم لنا مجموعة من المشاهد ؛ كلها تصب في اتجاه واحد ( التحول الاجتماعي لمجموعة من المناضلين الحزبيين ؛ نتيجة التحولات السياسية التي عرفها المغرب إبان حكومة التناوب ؛ و تقلد مناضلي الاتحاد الاشتراكي لمناصب وزارية هامة ؛ أغدقت عليهم من خيرات دار المخزن).
و يمكن أن نعرض لمجموعة من المشاهد التي تؤكد ما ذهبنا إلي كالتالي :
يحدثنا السارد عن حفلة حضرها (لأخ له) مستوزر فيقول :
" عندما أخذني إلى حفلة ؛ أقامها أخ لنا مستوزر بمناسبة زفاف ابنه أو ابنته " (9) . وقد اختار الروائي هذا الحدث ؛ ليرسم من خلاله –عبر مشاهدات السارد – صورة التحول الاجتماعي ؛ الذي يعيشه مجموعة من رفاقه في النضال ؛ الذين اختاروا – خلافا للعبته – لعبة أخرى ؛ واتخذوها وسيلة للترقي الاجتماعي .
لنترك ( امرأة النسيان ) ؛ ترسم لنا جانبا من هذا التحول :
" عندما انسابت السيارة مع أحد الشوارع ... التفت إلي مصلح قائلا: لعلك لا تعرف فيلة الأخ (الحلايبي)؟
لم أكن أعرفها لكنني أعرف صاحبها عن طريق السماع ؛ ومن خلال لقاءات معدودة لم تبدد صورته الغامضة لدي . هو مناضل قديم أصبح رجل أعمال ؛ مارس المحاماة في بداية مشواره ؛ واغتنى مستفيدا من فرص ملائمة ؛ ولم يكن يبخل على الحزب بأمواله" (10)
وينتقل السارد ليعرفنا عن قرب على مظاهر البذخ ؛ التي يعيشها هذا المناضل ؛ والرفيق في الحزب :
" ووجدت أن الفيلا أكثر مما كنت أتصور : مدخل طويل ؛ وحديقة شاسعة ؛ ومسبح مضاء يضاهي بحجمه المسابح العمومية ؛ والصالونات فسيحة متداخلة ومتنوعة ؛ بين النمط التقليدي ؛ والعصري ؛ واللوحات الكبيرة تستنسخ مناظر الطبيعة ؛ ومشاهد فلكلورية ؛ وأوان نحاسية ؛ وتماثيل لبوذا الثخين في أوضاع مختلفة ؛ مستعملة بمثابة قوائم لمصابيح موضوعة في زوايا الغرف " . (11)
هذا التحول لا يخص هذا المناضل لوحده ؛ بل يتجاوزه إلى غيره من رفاقه الذين يلعبون معه نفس اللعبة المربحة : " ...هذا المناخ الجديد الذي تنطق علاماته ؛ وصوره ؛ وملابس ناسه ؛ وقاموسهم بما طرأ على حالهم ( أحوالنا ) من تحولات . " (12)
ويؤكد السارد في الرواية أنه يعرف كل هؤلاء ؛ من خلال علاقاته الحزبية معهم ؛ لكن ( سبحان مغير الأ|حوال ) : " معظم الحاضرين في هذا العشاء ؛ كنت ألتقيهم باجتماعات اللجنة المركزية ؛ والآخرون أعرفهم (..) ويتساءل السارد باستغراب : هل حقا أنا أعرفهم ؟ "(13)
هكذا تستغل امرأة النسيان الانفتاح الروائي ؛ الذي تتميز به الرواية كجنس أدبي موسوعي ؛ لترسم لنا صو رة عن الراهن المغربي ؛ الذي يعرف حراكا سياسيا ؛ حاولت الرواية أن تبرز آثاره على مستوى الحراك الاجتماعي .
ندعو لذاكرة الأستاذ والروائي المغربي الكبير أن تظل حية ؛ تنبش نسيانها ؛ لتمارس المزيد من الفضح لتجار السياسة ؛ الذين اغتنوا على حساب نخبة فكرية وسياسية ؛ ضحت بالغالي والنفيس من أجل أن تحافظ السياسة على نقائها .
الهوامش :
1- ميخائيل باختين – الملحمة والرواية – تر: جمال شحيذ – سلسلة كتاب الفكر العربي – ع:3 – معهد الإنماء العربي – ط: 1- 1982- ص: 20 .
2- محمد برادة – امرأة النسيان – نشر الفنك – ط: 2001 .
3- تحيل سنة النشر 2001 على الكثير من المستجدات السياسية التي عرفها المغرب ؛ نجد على رأسها دخول الاتحاد الاشتراكي تجربة الحكم من خلال حكومة التناوب . الشيء الذي يؤكد ارتباط المادة الحكائية للرواية بهذه المرحلة .
4- يعتبر الأستاذ محمد برادة من قياديي حزب الاتحاد الاشتراكي البارزين .
5- أنظر : لعبة النسيان – مقدمة ط: 2- ص: 3
6- امرأة النسيان – (ص:6)
7- نفسه – (ص:
8- نفسه – (ص: 9)
9- نفسه – (ص:29)
10- نفسه – ( ص:29-30)
11- نفسه – ( ص: 30 )
12- نفسه – (ص: 31)
13- نفسه – ( ص:31)
وقد أدى هذا الانفتاح بجنس الرواية إلى الدخول في حوار متعدد الأبعاد مع جميع الأجناس الأدبية الأخرى ؛ كما جعل الرواية صوتا قادرا على التعبير بلغة سردية عن جميع القضايا ؛ سواء أكانت سياسية أو اجتماعية ...
وفي رواية "امرأة النسيان" للروائي المغربي محمد برادة ؛ (2) نجد الروائي - كعارف بقضايا السرد الروائي – يستغل هذا الانفتاح كخطة لمساءلة الراهن السياسي المغربي ؛ وذلك عبر طرحه لموضوع يغلب عليه الطابع الذاتي أكثر مما ينطبع بالموضوعية . وتكشف عن ذلك بوضوح سنة النشر(3) ؛ التي تحيل على مجموعة من التحولات السياسية المؤسسة للراهن السياسي المغربي .
وقد سال مداد كثير في هذا الموضوع ؛ فهناك من اعتبر الرواية هجوما عنيفا على رفاق الأمس الحزبيين؛ (4) الذين عرفوا من أين تؤكل الكتف – كما يقول الفقهاء – فأكلوا كل الكتف ؛ ولم يتركوا شيئا لرفاقهم في النضال . وهناك في الوقت ذاته من اعتبرها تخييلا روائيا ؛ حاول نسج خيوط مرحلة عاشها الروائي عن قرب ؛ ومن حقه – كروائي – التعبير عنها في شكل سردي ؛ ما دام طابع الانفتاح الذي توفره الرواية يسمح له بذلك .
أما نحن فسنترك هذا وذاك جانبا ونحاول الاقتراب من (امرأة النسيان) ؛ رغم أن المرأة لا تبوح بأسرارها إلا لعاشق .
النسيان ك" تيمة" مهيمنة على رؤية برادة الروائية
من خلال عملين روائيين للروائي المغربي محمد برادة : لعبة النسيان و امرأة النسيان ؛ نجد النسيان تيمة أساسية توجه العتبة الرئيسية للنص الروائي (العنوان ) .
ونعر ف قيمة العنوان في الدراسات البويطيقية الحديثة – خصوصا مع جيرار جنيت - كمدخل رئيسي ؛ وكنص مواز ؛ يبوح بداية بما يريد النص أن يخفيه .
فما هي أهم الدلالات التي يأخذها النسيان في رؤية برادة الروائية ؟
في مقدمة الطبعة الثالثة لرواية ( لعبة النسيان ) لمحمد برادة ؛ نجد الروائي يقترب من مفهوم النسيان كما يحضر في روايته بقوله : " ولأننا تعودنا على النسيان ؛ فإننا لا ننتبه كثيرا إلى تغير الأشياء من حولنا ؛ وإلى تغير علاقاتنا وذواتنا . ولكن يكفي أن تنبثق بعض اللحظات من منطقة النسيان فينا ؛ لتبدأ دينامية التذكر ؛ وليبدأ الخيال في نسج ما هو كامن في اللاشعور ؛ وفي الذاكرة الغافية "(5)
إن النسيان عند محمد برادة آلية للإخفا ء والإعلان في الآن ذاته ؛ فنحن ننسى الكثير مما نعيشه ؛ وفي الآن ذاته ؛ فإن لحظة خاطفة تدفعنا إلى نبش الذاكرة الغافية لتحقيق الإعلان عما أخفي من قبل .
إن استراتيجية التخييل في الرواية ‘ تقوم في الأغلب على عمل الذاكرة .
وما يجعل رواية ( امرأة النسيان ) تدخل في علاقة مع رواية ( لعبة النسيان ) – حيث تجتمعان معا حول تيمة النسيان كبؤرة للسرد – هو انتقال شخصية (ف ب) من الرواية الأولى إلى الرواية الثانية :
" فهمت أنها صديقة حميمة ل: (ف ب) ؛ إحدى الشخصيات النسائية الواردة في رواية لعبة النسيان " (6)
" ولم أستطع التملص من تحديد موعد لزيارة ( ف ب ) النازحة من صفحات ( لعبة النسيان ) إلى حي فيردان بالدار البيضاء " . (7)
وما يبدو هو أن (ف ب) شخصية تخييلية في ( لعبة النسيان ) ؛ تقترب من الواقعية في ( امرأة النسيان)؛ الشيء الذي يوحي ولو ترميزا إلى أن ( امرأة النسيان ) رواية مرتبطة بواقع مرحلة معينة من تاريخ المغرب المعاصر ؛ يحاول الروائي أن يتذكرها و يخرجها من بين كثبان النسيان ؛ رغم أنه قريب منها إلى حدود الاتصال بها .
هكذا توهمنا (امرأة النسيان) بأنها سرد استحضاري ؛ استيعادي ؛ يعمل من خلال الذاكرة ؛ بينما تخفي ارتباطها بالراهن ؛ وتعبيرها عنه ؛ من خلال ارتباط السارد في الرواية بمجموع الشخصيات المؤثثة لفضاء السرد . فتتحول بذلك كتابة الراهن في رواية ( امرأة النسيان ) ؛ إلى كتابة للذاكرة ؛ محولة بذلك أحداثا حقيقية عاشتها الذات الكاتبة إلى خداع وأوهام للتاريخ . ولم يتحقق لها ذلك إلا عبر توثيق صلتها بالنسيان ؛ كاستراتيجية للإخفاء ؛ وإعادة الكشف في صور مختلفة عن النموذج المخفي .
ولتحقبق هذا الرهان نجد السرد في ( امرأة النسيان ) يتأرجح بين الواقعي الجذاب ؛ وبين الأفق الممكن ؛
الذي تؤشر عليه الرؤية التنبئية ل: ( ف ب ) ؛ المتمردة على إطار التخييل ؛ الذي وضعها الكاتب داخله. لكن مسار التخييل في الرواية يزعزع (ف ب ) بين الحين والآخر ؛ مرغما إياها على الدخول في لعبة تخييلية منسوجة مسبقا ؛ خوفا من الانفلات الذي قد تحققه ( ف ب) من قبضة التخييل .
تخاطب (ف ب) السارد قائلة : " منذ كتبت لعبتك وأنت تختبئ وراءها . ألم يحدثك الهادي عني ؟ ما أخباره ؟ منذ رأيته آخر مرة منذ سنوات في المقهى بباريس ؛ لم ألتق به "(
هكذا يربط السارد شخصية ( ف ب ) بمسار تخييلي سابق ؛ هو مسار( لعبة النسيان) ؛ موهما إيانا باستمرارية التعلق بالذاكرة و التعالي على الراهن .
لكن هذا التعالي لم يستمر في الرواية ؛ بل يفرض الراهن نفسه على السرد ؛ محولا بذلك النسيان من أداة للإخفاء ؛ إلى أداة للفضح و الكشف عبر توارد مجموعة من الأحداث –نزعم- أنها جوهر المادة الحكائية التي تم تصنيعها روائيا عبر استراتيجية مزدوجة ؛ تنتقل ما بين الإخفاء و الكشف ؛ ما بين الارتباط بالراهن ؛ والانفلات من قبضته .
هكذا نجد الرواية ترسم لنا مجموعة من المشاهد ؛ كلها تصب في اتجاه واحد ( التحول الاجتماعي لمجموعة من المناضلين الحزبيين ؛ نتيجة التحولات السياسية التي عرفها المغرب إبان حكومة التناوب ؛ و تقلد مناضلي الاتحاد الاشتراكي لمناصب وزارية هامة ؛ أغدقت عليهم من خيرات دار المخزن).
و يمكن أن نعرض لمجموعة من المشاهد التي تؤكد ما ذهبنا إلي كالتالي :
يحدثنا السارد عن حفلة حضرها (لأخ له) مستوزر فيقول :
" عندما أخذني إلى حفلة ؛ أقامها أخ لنا مستوزر بمناسبة زفاف ابنه أو ابنته " (9) . وقد اختار الروائي هذا الحدث ؛ ليرسم من خلاله –عبر مشاهدات السارد – صورة التحول الاجتماعي ؛ الذي يعيشه مجموعة من رفاقه في النضال ؛ الذين اختاروا – خلافا للعبته – لعبة أخرى ؛ واتخذوها وسيلة للترقي الاجتماعي .
لنترك ( امرأة النسيان ) ؛ ترسم لنا جانبا من هذا التحول :
" عندما انسابت السيارة مع أحد الشوارع ... التفت إلي مصلح قائلا: لعلك لا تعرف فيلة الأخ (الحلايبي)؟
لم أكن أعرفها لكنني أعرف صاحبها عن طريق السماع ؛ ومن خلال لقاءات معدودة لم تبدد صورته الغامضة لدي . هو مناضل قديم أصبح رجل أعمال ؛ مارس المحاماة في بداية مشواره ؛ واغتنى مستفيدا من فرص ملائمة ؛ ولم يكن يبخل على الحزب بأمواله" (10)
وينتقل السارد ليعرفنا عن قرب على مظاهر البذخ ؛ التي يعيشها هذا المناضل ؛ والرفيق في الحزب :
" ووجدت أن الفيلا أكثر مما كنت أتصور : مدخل طويل ؛ وحديقة شاسعة ؛ ومسبح مضاء يضاهي بحجمه المسابح العمومية ؛ والصالونات فسيحة متداخلة ومتنوعة ؛ بين النمط التقليدي ؛ والعصري ؛ واللوحات الكبيرة تستنسخ مناظر الطبيعة ؛ ومشاهد فلكلورية ؛ وأوان نحاسية ؛ وتماثيل لبوذا الثخين في أوضاع مختلفة ؛ مستعملة بمثابة قوائم لمصابيح موضوعة في زوايا الغرف " . (11)
هذا التحول لا يخص هذا المناضل لوحده ؛ بل يتجاوزه إلى غيره من رفاقه الذين يلعبون معه نفس اللعبة المربحة : " ...هذا المناخ الجديد الذي تنطق علاماته ؛ وصوره ؛ وملابس ناسه ؛ وقاموسهم بما طرأ على حالهم ( أحوالنا ) من تحولات . " (12)
ويؤكد السارد في الرواية أنه يعرف كل هؤلاء ؛ من خلال علاقاته الحزبية معهم ؛ لكن ( سبحان مغير الأ|حوال ) : " معظم الحاضرين في هذا العشاء ؛ كنت ألتقيهم باجتماعات اللجنة المركزية ؛ والآخرون أعرفهم (..) ويتساءل السارد باستغراب : هل حقا أنا أعرفهم ؟ "(13)
هكذا تستغل امرأة النسيان الانفتاح الروائي ؛ الذي تتميز به الرواية كجنس أدبي موسوعي ؛ لترسم لنا صو رة عن الراهن المغربي ؛ الذي يعرف حراكا سياسيا ؛ حاولت الرواية أن تبرز آثاره على مستوى الحراك الاجتماعي .
ندعو لذاكرة الأستاذ والروائي المغربي الكبير أن تظل حية ؛ تنبش نسيانها ؛ لتمارس المزيد من الفضح لتجار السياسة ؛ الذين اغتنوا على حساب نخبة فكرية وسياسية ؛ ضحت بالغالي والنفيس من أجل أن تحافظ السياسة على نقائها .
الهوامش :
1- ميخائيل باختين – الملحمة والرواية – تر: جمال شحيذ – سلسلة كتاب الفكر العربي – ع:3 – معهد الإنماء العربي – ط: 1- 1982- ص: 20 .
2- محمد برادة – امرأة النسيان – نشر الفنك – ط: 2001 .
3- تحيل سنة النشر 2001 على الكثير من المستجدات السياسية التي عرفها المغرب ؛ نجد على رأسها دخول الاتحاد الاشتراكي تجربة الحكم من خلال حكومة التناوب . الشيء الذي يؤكد ارتباط المادة الحكائية للرواية بهذه المرحلة .
4- يعتبر الأستاذ محمد برادة من قياديي حزب الاتحاد الاشتراكي البارزين .
5- أنظر : لعبة النسيان – مقدمة ط: 2- ص: 3
6- امرأة النسيان – (ص:6)
7- نفسه – (ص:
8- نفسه – (ص: 9)
9- نفسه – (ص:29)
10- نفسه – ( ص:29-30)
11- نفسه – ( ص: 30 )
12- نفسه – (ص: 31)
13- نفسه – ( ص:31)