توفيق بوعشرين، 26/08/2009
عاش المفكر المغربي عبد الله العروي قريبا من السياسة و من الصراع حول السلطة و من مجريات الأحداث في مغرب الاستقلال إلى اليوم. لم يخف العروي قربه و تعاطفه من اليسار ممثلا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم الاتحاد الاشتراكي، لكنه، في نفس الوقت، حافظ على مسافة نقدية بينه و بين فكر الحزب و سياسة القصر. قال لي مرة: "إني حذفت عدة صفحات من كتاب الإيديولوجيا العربية المعاصرة كانت مخصصة لنقد المهدي بنبركة و اسلوبه في دارة الصراع، فقط لأنه اختطف و اغتيل قبيل صدور الكتاب سنة 1965، مخافة أن يُفهم نقدي للمهدي و كأنه تواطئ مع مختطفيه". هذا كلام مثقف ساهم في كتابة وثيقة الاختيار الثوري التي وضعها بنبركة كنوع من النقد الذاتي لأسلوب إدارة الصراع مع القصر ما بعد الاستقلال. كان العروي موظفا في سفارة المغرب بباريس، و لم يكن موقعه هذا يمنعه من اللقاء ببنبركة الذي كان يزور باريس باستمرار. لكن علاقة أخرى ستنشأ بعد عقود من الزمن مع أحد أكبر أعداء بنبركة.. إنه الملك الحسن الثاني الذي كان متضايقا من علاقة العروي بالاتحاديين، لكنه في نفس الوقت كان معجبا بآراء المثقف المغربي حول الصحراء و حول الجزائر، و عدم انسياق العروي مع الموجة الثورية التي كانت تجتاح مثقفي العالم الثالث في الستينات و السبعينات و تدفع للقطيعة بين أهل القلم و أرباب السيف، ظل العروي يرى أن إصلاح المجتمع من فوق اقصر الطرق للوصول إلى الهدف في الدول المتخلفة، كان ينتقد الأنظمة و المجتمعات على السواء لكنه لا يحكم على أحد لأن لكل طرف إكراهاته.
طرد العروي من الجامعة رفقة عدد من الأساتذة الجامعيين في سنة 1974 (الراضي، الخطيبي، إسماعيل العلوي، جسوس...) عندما ضاق الحسن الثاني ذرعا بتغلغل اليسار في الأوساط الجامعية. لما رجع جل هؤلاء للتدريس في الجامعة بعد أن تصالحوا مع الحسن الثاني، لم يرجع العروي إلى كرسيه الجامعي. ظل أستاذا "مشاركا" لأنه لم يطلب من الملك أن يرجعه إلى وضعيته السابقة كأستاذ جامعي قار..
لما دخل العروي على الحسن الثاني في الثمانينات حيث كلفه بحمل عدة رسائل إلى رؤساء و قادة دول أوربية حول ملف الصحراء، سأله الحسن الثاني: "هل رجعت إلى التدريس في الجامعة؟"، فقال العروي: "نعم سيدي رجعت". "كان الحسن الثاني -يتذكر العروي- يعرف أنني رجعت و لم أرجع إلى الجامعة. كان على علم بأنني رجعت كأستاذ مشارك.. كضيف على الجامعة و ليس كأستاذ قار. كان يريد مني أن أطلب منه إرجاعي إلى الجامعة مثلي مثل الآخرين الذين طلبوا، و بعضهم توسلوا إليه.. لم أفعل، و بقيت أستاذا مشاركا إلى أن تقاعدت".
قبل هذه الحادثة، جرب الحسن الثاني "استقطاب العروي" عن طريق مولاي أحمد العلوي لكنه فشل، ثم جرب أسلوبا آخر منأساليب البصري. في إحدى سنوات الثمانينات رفضت وزارة الداخلية تجديد جواز سفر سفر العروي الذي انتهت صلاحيته. و لأن المفكر المغربي كان يسافر كثيرا و له التزامات علمية في أوربا و أمريكا، فقد أصبح في حكم "السجين" في بلده... استمر الحال عدة اشهر حتى اشتكى الأمر إلى المستشار اكديرة الذي توسط له عند الحسن الثاني الذي تظاهر بأن لا علم له بتصرفات البصري. حصل العروي على جواز سفره، و كانت بداية صفحة أخرى مع القصر، كلف فيها العروي بالدفاع عن مغربية الصحراء.
Updated about 5 months ago
Abdel, Ali and 2 others like this.
عاش المفكر المغربي عبد الله العروي قريبا من السياسة و من الصراع حول السلطة و من مجريات الأحداث في مغرب الاستقلال إلى اليوم. لم يخف العروي قربه و تعاطفه من اليسار ممثلا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم الاتحاد الاشتراكي، لكنه، في نفس الوقت، حافظ على مسافة نقدية بينه و بين فكر الحزب و سياسة القصر. قال لي مرة: "إني حذفت عدة صفحات من كتاب الإيديولوجيا العربية المعاصرة كانت مخصصة لنقد المهدي بنبركة و اسلوبه في دارة الصراع، فقط لأنه اختطف و اغتيل قبيل صدور الكتاب سنة 1965، مخافة أن يُفهم نقدي للمهدي و كأنه تواطئ مع مختطفيه". هذا كلام مثقف ساهم في كتابة وثيقة الاختيار الثوري التي وضعها بنبركة كنوع من النقد الذاتي لأسلوب إدارة الصراع مع القصر ما بعد الاستقلال. كان العروي موظفا في سفارة المغرب بباريس، و لم يكن موقعه هذا يمنعه من اللقاء ببنبركة الذي كان يزور باريس باستمرار. لكن علاقة أخرى ستنشأ بعد عقود من الزمن مع أحد أكبر أعداء بنبركة.. إنه الملك الحسن الثاني الذي كان متضايقا من علاقة العروي بالاتحاديين، لكنه في نفس الوقت كان معجبا بآراء المثقف المغربي حول الصحراء و حول الجزائر، و عدم انسياق العروي مع الموجة الثورية التي كانت تجتاح مثقفي العالم الثالث في الستينات و السبعينات و تدفع للقطيعة بين أهل القلم و أرباب السيف، ظل العروي يرى أن إصلاح المجتمع من فوق اقصر الطرق للوصول إلى الهدف في الدول المتخلفة، كان ينتقد الأنظمة و المجتمعات على السواء لكنه لا يحكم على أحد لأن لكل طرف إكراهاته.
طرد العروي من الجامعة رفقة عدد من الأساتذة الجامعيين في سنة 1974 (الراضي، الخطيبي، إسماعيل العلوي، جسوس...) عندما ضاق الحسن الثاني ذرعا بتغلغل اليسار في الأوساط الجامعية. لما رجع جل هؤلاء للتدريس في الجامعة بعد أن تصالحوا مع الحسن الثاني، لم يرجع العروي إلى كرسيه الجامعي. ظل أستاذا "مشاركا" لأنه لم يطلب من الملك أن يرجعه إلى وضعيته السابقة كأستاذ جامعي قار..
لما دخل العروي على الحسن الثاني في الثمانينات حيث كلفه بحمل عدة رسائل إلى رؤساء و قادة دول أوربية حول ملف الصحراء، سأله الحسن الثاني: "هل رجعت إلى التدريس في الجامعة؟"، فقال العروي: "نعم سيدي رجعت". "كان الحسن الثاني -يتذكر العروي- يعرف أنني رجعت و لم أرجع إلى الجامعة. كان على علم بأنني رجعت كأستاذ مشارك.. كضيف على الجامعة و ليس كأستاذ قار. كان يريد مني أن أطلب منه إرجاعي إلى الجامعة مثلي مثل الآخرين الذين طلبوا، و بعضهم توسلوا إليه.. لم أفعل، و بقيت أستاذا مشاركا إلى أن تقاعدت".
قبل هذه الحادثة، جرب الحسن الثاني "استقطاب العروي" عن طريق مولاي أحمد العلوي لكنه فشل، ثم جرب أسلوبا آخر منأساليب البصري. في إحدى سنوات الثمانينات رفضت وزارة الداخلية تجديد جواز سفر سفر العروي الذي انتهت صلاحيته. و لأن المفكر المغربي كان يسافر كثيرا و له التزامات علمية في أوربا و أمريكا، فقد أصبح في حكم "السجين" في بلده... استمر الحال عدة اشهر حتى اشتكى الأمر إلى المستشار اكديرة الذي توسط له عند الحسن الثاني الذي تظاهر بأن لا علم له بتصرفات البصري. حصل العروي على جواز سفره، و كانت بداية صفحة أخرى مع القصر، كلف فيها العروي بالدفاع عن مغربية الصحراء.
Updated about 5 months ago
Abdel, Ali and 2 others like this.